أبو هريرةالقصصأنس بن مالكبداية الخلق
من خلق الله ؟ / وهل يحق للمسلم أن يسأل هذا السؤال ؟
من خلق الله ؟ / وهل يحق للمسلم أن يسأل هذا السؤال ؟
إن
الله سبحانه لا شبيه له ولا كفؤ له ولا ندّ
له، وهو الكامل في ذاته وأسمائه وصفاته
وأفعاله، وهو الخالق لكل شيء وما
سواه مخلوق .
وقد
أخبرنا في كتابه
المبين وعلى لسان رسوله الأمين عليه من
ربه أفضل الصلاة والتسليم، بما يجب اعتقاده
في حقه سبحانه، وبما يعرفنا به ويدلنا
عليه من أسمائه وصفاته وآياته المشاهدة
، من سماء وأرض وجبال وبحار وأنهار وغير
ذلك من مخلوقاته عز وجل، ومن جملة ذلك نفس
الإنسان ،
فإنها
من آيات الله الدالة على قدرته وعظمته
وكمال علمه وحكمته.
كما قال عز وجل:
﴿
إِنَّ
فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ
لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ
﴾[آل
عمران:190]
وقال
تعالى:
﴿
وَفِي
الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ وَفِي
أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ
﴾
[الذاريات:20-21].
أما كنه ذاته وكيفيتها وكيفية صفاته فذلك من علم الغيب الذي لم يطلعنا عليه، فالواجب علينا فيه: الإيمان والتسليم وعدم الخوض في ذلك، كما وسع ذلك سلفنا الصالح من الصحابة رضي الله عنهم وأتباعهم بإحسان، فإنهم لم يخوضوا في ذلك ولم يسألوا عنه، بل آمنوا بالله سبحانه، وبما أخبر به عن نفسه في كتابه أو على لسان رسوله محمد ﷺ ، مع إيمانهم بأنه سبحانه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
وعلى
كل من وجد شيئا من هذه الوساوس، أو ألقي
إليه شيء منها أن يستعظمها وينكرها من
أعماق قلبه إنكارا شديدا، وأن يقول:
آمنت
بالله ورسله، وأن يستعيذ بالله من نزغات
الشيطان، وأن ينتهي عنها ويطرحها كما أمر
الرسول بذلك في الأحاديث القادمة
،
وأخبر أن استعظامها وإنكارها هو صريح
الإيمان، وعليه أن لا يتمادى مع السائلين
في هذا الباب؛ لأن ذلك قد يفضي إلى شر كثير
وإلى شكوك لا تنتهي فأحسن علاج للقضاء
على ذلك والسلامة منه هو امتثال ما أمر
به النبي صلى الله عليه وسلم، والتمسك به
والتعويل عليه، وعدم الخوض فيه، وهذا هو
الموافق لقول الله عز وجل:
﴿
وَإِمَّا
يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ
فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ
السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
﴾[فصلت:36].
فالاستعاذة
بالله سبحانه، واللجوء إليه وعدم الخوض
فيما أحدثه الموسوسون وأرباب الكلام
الباطل من الفلاسفة ومن سلك سبيلهم، من
الخوض في باب أسماء الله وصفاته وما استأثر
الله بعلمه، من غير حجة ولا برهان.
أما سبيل أهل الحق والإيمان، هو طريق السلامة
والنجاة والعافية من مكايد شياطين الإنس
والجن .
ولهذا
لما سأل بعض الناس أبا هريرة رضي الله عنه
عن هذه الوسوسة :
حصبهم
بالحصى ولم يجبهم على سؤالهم، وقال:
صدق
خليلي.
أحاديث رسول الله ﷺ :
الحديث الأول : قال رسول الله ﷺ : -{ لَنْ يَبْرَحَ النَّاسُ يَتَسَاءَلُونَ حتَّى يقولوا: هذا اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شيءٍ، فمَن خَلَقَ اللَّهَ} .
الراوي :أنس بن مالك|المحدث : البخاري|المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 7296 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] التخريج : أخرجه البخاري (7296) واللفظ له، ومسلم (136).
ممَّا يَدخُلُ في النَّهيِ عن السُّؤال والبحثِ عنه: أمورُ الغيبِ الخبريَّةُ التي أُمِرَ بالإيمانِ بها، ولم يُبَيَّنْ كيفيَّتُها، وبعضُها قد لا يكون له شاهِدٌ في هذا العالِمِ المحسوس، فالبحثُ عن كيفيَّةِ ذلك هو ممَّا نُهي عنه، وربَّما أَوْجَبَ الحَيْرَةَ والشَّكَّ، وقد يَرتقي إلى التَّكذيبِ. وفي هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: إنَّه (لن يَبرَحَ النَّاسُ يَتساءَلونَ)، أي: لا يزالُ النَّاسُ يَسألُ بعضُهم بعضًا، أو تُحدِّثُهم أنفُسُهم بالوسوسةِ، (حتى يقولوا)، أي: حتَّى يَصِلَ بهم التساؤلُ ويَنتهيَ بهم الحالُ إلى أن يقولوا: (هذا اللهُ خالقُ كلِّ شيءٍ، فمَن خلَق اللهَ؟)، وهذا تساؤلٌ باطلٌ بالبَداهةِ؛ لأنَّ كونَ اللهِ تعالى غيرَ مخلوقٍ أمرٌ ضروريٌّ، فالسُّؤالُ عنه تعنُّتٌ، ومَن عرَض هذا التَّساؤلُ على خاطرِه فلْيَقُلْ- كما ثبَت في بعض الرِّواياتِ-: آمنتُ باللهِ، ولْيَقْرَأْ سورةَ الإخلاص، ويَتْفِلْ عن يَسارِه ثلاثًا، ولْيَستعذْ بالله ليَطرُدَ عنه وساوسَ الشَّيطانِ، والحِكمةُ في ذلك أنَّ العِلمَ باستغناء الله تعالى عن كلِّ ما يُوَسوسُه الشَّيطانُ أمرٌ ضروريٌّ لا يَحتاجُ للاحتِجاج والمناظرة، فإنْ وقَع شيءٌ من ذلك فهو من وسوسةِ الشَّيطان، وهي غير متناهيةٍ؛ فمهما عُورِضَ بحُجَّةٍ يَجِدُ مسلكًا آخَرَ من المغالطة والاسترسال، فيَضِيعُ الوقتُ إن سَلِمَ مِن فِتنتِه، فلا تدبيرَ في دَفْعِه أقوى من الالتِجاء إلى الله تعالى بالاستعاذة به، كما قال تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [الأعراف: 200].
وفي هذا الحديثِ: إشارةٌ إلى ذمِّ كثرةِ السُّؤالِ؛ لأنَّها تُفضِي إلى المحذور، كالسُّؤالِ المذكور؛ فإنَّه لا يَنشَأُ إلَّا عن جهلٍ مُفْرِطٍ( ).
الحديث الثاني : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يأتي الشيطان أحدكم فيقول: -{يَأْتي الشَّيْطانُ أحَدَكُمْ فَيَقُولَ: مَن خَلَقَ كَذا وكَذا؟ حتَّى يَقُولَ له: مَن خَلَقَ رَبَّكَ؟ فإذا بَلَغَ ذلكَ، فَلْيَسْتَعِذْ باللَّهِ ولْيَنْتَهِ} .
الراوي : أبو هريرة |المحدث : مسلم| المصدر : صحيح مسلم الصفحة أو الرقم : 134 |خلاصة حكم المحدث : [صحيح]
الحديث الثالث : -جاءَ ناسٌ مِن أصْحابِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَسَأَلُوهُ: إنَّا نَجِدُ في أنْفُسِنا ما يَتَعاظَمُ أحَدُنا أنْ يَتَكَلَّمَ به، قالَ: وقدْ وجَدْتُمُوهُ؟ قالوا: نَعَمْ، قالَ: ذاكَ صَرِيحُ الإيمانِ.
الراوي
:أبو
هريرة |
المحدث
:
مسلم
|المصدر
:صحيح
مسلم الصفحة
أو الرقم:132
|خلاصة
حكم المحدث :[صحيح]
شرح الحديث :
في
هذا الحديثِ أنَّهُ جاءَ ناسٌ مِن أصْحابِ
النَّبيِّ ﷺ
،
فَسألُوهُ:
إنَّا
نجدُ في أنفسِنا ما يَتعاظَمُ أحدُنا أن
"يتَكلَّمَ
بهِ"
أي:
بذلكَ
الشيءِ مِن غايةِ قُبحِه وإنكارِنا له
في الواقعِ، لكنَّه يأتِينا في خواطِرَ،
فيتأكَّدُ النَّبيُّ ﷺ
مِنهم بِحدوثِ ذلكَ، فيقولُ:
وقدْ
وجدْتُموهُ؟ قالوا:
نَعمْ.
قالَ:
"ذاكَ
صَريحُ الإيمانِ"،
أي:
إنَّ
إنكارَكُمْ لتلكَ الأفكارِ السيِّئةِ
العَظيمةِ التي يتسبَّبُ فيها الشيطانُ
دليلٌ على صِدقِ الإيمانِ لدَيكمْ، ومَا
فَعلتُموهُ هوَ الإيمانُ الحقيقيُّ في
عَدمِ التفكُّرِ في ذاتِ اللهِ وتركِ
اللهَّثِ وراءَ الشيطانِ؛ وذلكَ أنَّ
الشيطانَ يُلقي الشُّبهاتِ في قلوبِ
الناسِ بأنَّ اللهَ هوَ الخالقُ، فمَن
الذي خلَقهُ؟
والمؤمنُ
الحقُّ يُلقي هذه الشُّبُهاتِ خلفَ ظَهرِه
ويَطرحُها، ويَستعيذُ باللهِ من
الشيطانِ.
وفي
الحديثِ:
بيانُ
أنَّ الشيطانَ يُوسوِسُ لابنِ آدمَ حتى
يُخرِجَهُ من الإيمانِ فليحْذرِ
المؤمنُ.
وفيه:
بيانُ
موقِفِ المؤمنِ من وَساوسِ الشَّيطانِ
وإلقائهِ الشُّبهاتِ بأنْ يصمُتَ ولا
يتكلَّمَ بذلكَ بل يَستعيذُ باللهِ.
وفقني الله وإياكم وسائر المسلمين للسلامة من مكائدهم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق